ترامب يهزّ أوروبا: ولاية ثانية تعيد رسم خريطة الأمن والهوية عبر الأطلسي
14.12.2025 10:44
اهم اخبار العالم World News
الدستور
ترامب يهزّ أوروبا: ولاية ثانية تعيد رسم خريطة الأمن والهوية عبر الأطلسي
حجم الخط
الدستور

منذ عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، وجدت أوروبا نفسها أمام واقع غير مسبوق من الارتباك وإعادة الحسابات. 

فقرارات واشنطن لم تعد شأنًا أمريكيًا داخليًا، بل تحولت إلى عامل ضاغط يعيد تشكيل السياسات الأوروبية في الدفاع والاقتصاد والمناخ وحتى الهوية السياسية.

ووفقًا لمجلة بوليتيكو، لم يعد ممكنًا فصل أي ملف أوروبي عن تداعيات السياسات الأمريكية الجديدة، في علاقة عبر أطلسية بات شعارها الأبرز: الاعتماد على الذات… أو تحمّل العواقب.

اقتصاد تحت الصدمة

على الصعيد الاقتصادي، تلقت الشركات والمستهلكون الأوروبيون ضربة مباشرة بفعل الرسوم الجمركية الأمريكية، ما زاد الضغوط على الأسواق وسلاسل التوريد، وفي الوقت ذاته، تلقى نشطاء المناخ صفعة قاسية مع انسحاب واشنطن من اتفاقيات دولية محورية، وعلى رأسها اتفاق باريس، ما أضعف الجهود العالمية لمواجهة التغير المناخي.

نهاية "الراحة الاستراتيجية"

في المجال الأمني، دخلت أوروبا مرحلة ضغط غير مسبوق على ميزانياتها الدفاعية، بعدما جدّد ترامب إصراره على رفع الإنفاق العسكري الأوروبي، هذا الضغط دفع الجيوش إلى إعادة النظر في عقائدها القتالية، والعودة للاستثمار في التسلّح والاستعداد لحروب تقليدية واسعة النطاق، بعد سنوات من التركيز على الأزمات المحدودة.

ساحة سياسية منقسمة

سياسيًا، تحولت أوروبا إلى مسرح استقطاب حاد. فبينما يقدّم بعض القادة أنفسهم حماةً للقارة في مواجهة “الترامبية”، يرى آخرون في خطاب “ماغا” نموذجًا يُحتذى لموجة شعبوية أوروبية صاعدة، ما عمّق الانقسامات داخل المجتمعات الأوروبية نفسها.

بوليتيكو تسأل: ما التغيير الأكبر؟

هذا الاتساع في التأثير دفع مجلة بوليتيكو إلى استطلاع آراء مفكرين وخبراء من أوروبا والولايات المتحدة حول سؤال جوهري: ما أكبر تغيير أحدثه ترامب في أوروبا؟

ورغم تنوع الإجابات من تآكل الثقة بحلف الناتو، إلى إعادة تعريف الهوية السياسية، وصولًا إلى التراجع المناخي برزت خلاصة واحدة متكررة: أوروبا تقف اليوم عند مفترق طرق تاريخي.. إما السباحة أو الغرق.

سقوط وهم القيم المشتركة

يرى المحلل الأمني الهنغاري أتيلا ديمكو أن ترامب أسقط وهم "القيم المشتركة" بين أوروبا والولايات المتحدة، كاشفًا انقسامًا عميقًا حول قضايا مثل التعددية الثقافية والهجرة والصوابية السياسية والنوع الاجتماعي.

وبحسب ديمكو، لا يقتصر هذا الانقسام على العلاقة عبر الأطلسي، بل يشق المجتمعات الأوروبية نفسها، ويُنهي ما يسميه “العطلة الاستراتيجية” للقارة، عبر تحميلها العبء الأكبر لأمنها ولدعم أوكرانيا.

خدمة غير مقصودة لأوروبا؟

في المقابل، ترى السفيرة الأمريكية السابقة لدى الناتو، كاي بيلي هاتشيسون، أن ترامب من حيث لا يقصد  قدّم خدمة لأوروبا، إذ دفعها لتحمّل مسؤولية أكبر عن دفاعها. وترى أن هذا المسار قد يفضي إلى بناء قدرات عسكرية أوروبية أقوى وأكثر تكاملًا، بشرط أن يتم ذلك ضمن إطار الناتو وبقدرات متوافقة وقابلة للعمل المشترك.

أخطر الضربات

أما أستاذ العلاقات الدولية مانفريد إلسيغ، فيحذّر من أن أخطر ما أحدثه ترامب هو زعزعة الثقة التي شكّلت حجر الأساس في الشراكة الأمريكية-الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية. فالناتو، بوصفه جوهر “المجتمع الأمني” الغربي، لم يعد مسلّمًا به، ما دفع أوروبا للتفكير جديًا في بنية أمنية أكثر استقلالًا.

أوروبا تنضج.. ببطء

من جهتها، ترى الخبيرة الأوكرانية السابقة أليونا هليفكو أن الاضطرابات التي فجّرتها السياسات الأمريكية أجبرت أوروبا على “النضوج” سياسيًا واستراتيجيًا. فالقارة تنتقل تدريجيًا من عقلية "حاملة الطائرات" الثقيلة والبطيئة إلى نموذج أكثر مرونة وسرعة، أشبه بـ"المسيّرة البحرية". 

ويبرز هذا التحول في صعود أدوار ألمانيا وفرنسا ودول البلطيق، مع بروز بولندا كقوة محورية مرشحة للعب دور قيادي في أوروبا المستقبل.

ترامب.. عامل انقسام ووحدة

من زاوية الهوية السياسية، تؤكد ألكسندرا سويكا أن تأثير ترامب كان مزدوجًا: فقد عزّز خطاب الشعبويين والمتشككين في الاتحاد الأوروبي، لكنه في الوقت نفسه دفع قطاعات واسعة من الأوروبيين إلى الالتفاف حول مشروع التكامل الأوروبي، ورفع منسوب الثقة بالمؤسسات المشتركة.

رؤية ديستوبية تدفع للبحث عن بدائل

أما سوندر كاتوالا، فيرى أن الأثر الأعمق لترامب يتمثل في تقديمه "رؤية ديستوبية" لمستقبل محتمل تصبح فيه الولايات المتحدة نفسها مصدرًا لتهديد السلام والديمقراطية الغربية. هذا التصور، برأيه، أجبر الأوروبيين على إعادة التفكير في مسلّماتهم السياسية والاقتصادية، وولّد رد فعل مضادًا يبحث عن بدائل ديمقراطية في مواجهة الشعبوية الترامبية.

ترامب لم يغيّر سياسات فقط، بل هزّ ركائز علاقة تاريخية، ودفع أوروبا إلى مواجهة سؤال وجودي: هل تستطيع القارة الوقوف على قدميها..  أم أن ثمن الاعتماد على الآخرين بات أكبر من قدرتها. 

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.