قال الباحث والمحلل السياسي الروسي، ديمتري بريجع، إن توقيت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الهند تحمل دلالات أعمق بكثير من مجرد انعقاد القمة السنوية بين بلدين تجمعهما علاقات تاريخية، فهي تأتي كأول زيارة لبوتين إلى نيودلهي منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وفي لحظة يتعرض فيها كل من روسيا والهند لضغوط أمريكية وأوروبية متصاعدة، في روسيا بسبب استمرار الحرب والعقوبات، ونيودلهي بسبب تمسكها باستيراد النفط الروسي والحفاظ على استقلال قرارها الإستراتيجي عن الغرب.
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وصل نيودلهي في أول زيارة دولة إلى الهند منذ الحرب الروسية على أوكرانيا، في خطوة تبرز دفء العلاقات الثنائية التي أثارت غضب الولايات المتحدة، وأدت إلى فرض رسوم جمركية مرتفعة على الهند.
وأضاف بريجع في تصريحات خاصة، لـ"الدستور"، أن أهم الملفات المطروحة بين بوتين ومودي تدور حول ثلاثة محاور رئيسية، الأول: ملف الطاقة والتجارة، حيث تحول النفط الروسي المخفّض السعر إلى ركيزة في معادلة أمن الطاقة الهندية، وفي المقابل تريد نيودلهي تقليص العجز التجاري وتعزيز صادراتها إلى السوق الروسية، مع توسيع التعاون في مجالات الشحن، الأسمدة، الرعاية الصحية وحركة العمالة الماهرة.
وتابع أن المحور الثاني هو التعاون الدفاعي والتكنولوجي، من تحديث منظومات التسليح الروسية في الهند، واستكمال مشاريع مثل منظومة S-400 وتحديث مقاتلات سو-30، إلى بحث صفقات مستقبلية تتعلق بالطيران الحربي والتقنيات المتقدمة، مع حرص الهند على استمرار التنويع لكن دون خسارة الخبرة الروسية المتراكمة.
قناة حوار مستقلة
وأوضح أن المحور الثالث فيتعلق بالتنسيق السياسي الأوسع من أوكرانيا إلى آسيا الوسطى ومنصات مثل بريكس ومنظمة شنغهاي، حيث تسعى موسكو ونيودلهي لتأكيد أن بينهما قناة حوار مستقلة عن كل من واشنطن وبكين في قضايا النظام الدولي والأمن الإقليمي.
وبين بريجع أن الرسائل الموجهة إلى الغرب من خلال هذه الزيارة، أن روسيا ليست في عزلة كما تحب العواصم الغربية تصويرها، وأن لديها شركاء كبارا من وزن الهند يواصلون استقبال بوتين استقبال ضيف كبير على مستوى البروتوكول والرمزية السياسية، وأن الهند نفسها لا تقبل أن تختزل في خانة حليف غربي مطيع، بل تستثمر علاقتها مع موسكو لتأكيد مبدأ التعددية القطبية والاستقلال الإستراتيجي في سياستها الخارجية.
وأكد أن أي هندسة لأمن الطاقة العالمي أو إعادة رسم خرائط التحالفات في آسيا لا يمكن أن تتم دون أخذ المحور الروسي- الهندي في الاعتبار، سواء في ممرات الطاقة أو في توازنات التسلح الإقليمي، وفي هذا المعنى، الزيارة ليست مجرد قمة ثنائية تقليدية، بل رسالة مشتركة من موسكو ونيودلهي بأن عالم ما بعد أوكرانيا لن يكتب حصرا في العواصم الغربية.